قصص جرائم كيميائية ....:)
القصة الأولى ..
عندما
رأت إحدى أميرات القرن الثامن عشر كبريتيد الزرنيخ ولونه الذهبي الأخاذ أصرت على أن
يدهن به قصرها وكان هذا المركب حينذاك يستخدم في الطلاء والتلوين ولكنها بمرور
الوقت بدأت تعاني من أعراض مرضية عجيبة، بدأ جسمها يذبل شيئا فشيئا آخذة في شيخوخة
غريبة واستحال شعرها الذهبي الأشقر إلى الللون الأشيب وبدأ جلدها في التغضن والهزال
والوهن ماحيا كل نضارة الشباب والصبا
حار
الأطباء في وضعها أيما حيرة ولم يعرفوا لهذا التغير المفاجيء الذي اعترى الأميرة
الشابة التي كانت في الخامسة والعشرين من عمرها ولم يمهلها المرض حيث وافاها الأجل
بعد ذلك بقليل
اكتشفوا
فيما بعد أن السبب هو الطلاء الذهبي البرّاق حيث أن كبريتيد الزرنيخ المستخدمة فيه
مادة طيّارة ونتيجة لاستنشاق الأميرة المستمر زاد تركيزه في خلايا جسمها وبدأت تظهر
عليها آثار هذا المرض الغريب
جدير
بالذكر أنه بعد هذه الحادثة تم منع استخدام كبريتيد الزرنيخ في أعمال الدهان وتلوين
اللوحات الذي ولاشك كان سببا في وفاة الكثيرين قبل هذه
الأميرة
كبريتيد
الزرنيخ:
الأوربيمينت orpiment
صيغته:
As2S3
الريالجار realgar
صيغته:
AsS
مركب
نادر نوعا ما لونه ذهبي قديما يستخدم في طلاء اللوحات والرسم والدهان وهو مركب غير
ثابت يتحلل في وجود الضوء لذا يجب أن يحفظ في الظلام له رائحة تشبه رائحةالكبريت
لكنها في الواقع رائحة الزرنيخ
ظهوره
أول الأمر كان في رومانيا - البيرو - اليابان - أمريكا -
استراليا
القصة الثانية ..
إتاي – إتاي باللغة اليابانية تعنى الألم الشديد وهو مرض ظهر أول مرة
في مدينة توياما اليابانية سنة 1950 نتيجة التسمم
بالكادميوم
القصة تبدأ عندما صنفت مدينة تاياما كواحدة من أكبر مدن التعدين
والمناجم للذهب والفضة تلاها الرصاص والنحاس ثم الزنك إبّان الحرب الروسية
اليابانية والحرب العالمية الأولى ثم زاد الطلب على معادن المدينة أثناء الحرب
العالمية الثانية، من عام 1910 حتى عام 1945 بدأ تسرب الكادميوم بكميات متزايدة
نتيجة لعمليات التعدين المتلاحقة حيث بدأت الأسماك في البحيرة تموت وتذبل نباتات
الأرز الذي يعتبر المصدر الرئيسي لغذاء اليابانيين ونتيجة لتلوث الماء والغذاء
بالكادميوم بدأت تظهر أعراض هذا المرض العجيب على سكان المدينة حيث سجلت أول حالة
عام 1912
كلمة أتاي – أتاي Itai-itai هي مرادف للصراخ بكلمات الألم الشديد وهو
مرض يسبب تلين العظام والفشل الكلوي ويسبب آلاما شديدة لا يستطيع الفرد
تحملها
لم يكن السبب معروفا حتى عام 1946 حيث كان الناس يظنون انه بسبب نوع
نادر من البكتريا وعندما ازداد التلوث في المدينة بدأت البحوث الطبية عام 1950
للبحث عن مسببات هذا المرض الغريب الذي أصاب الكثيرين من سكانها وكان الاحتمال
الأكبر هو بسبب التلوث بالرصاص حتى جاء الدكتور أوجينو وفريقه سنة 1955 واكتشف أن
المسبب الرئيسي للمرض هي مركبات الكادميوم التي تطلقها صناعات
التعدين
اشتكى سكان المدينة بعدما ذاع الخبر وبدأ التحقيق في القضية سنة 1961
وبعد التحقيق تم اكتشاف أن مصدر هذه السموم هي محطات شركة متسوي وشركة سميلتنج
كاميوكا للتعدين على بعد 30 كيلومتر من المنجم وتم إخطارها من قبل وزارة الصحة
بضرورة إيجاد حل أو وقف العمل، قامت الشركات ببناء حوض لمخلفات التعدين والتي تحوي
الكادميوم بدلا من صبها على النهر لكن بعد أن عانى الكثيرين من المرض وتتالت بعدها
الأحداث حيث ظهرت حالات جديدة في مناطق أخرى غير مدينة توياما وتقدمت 20 عائلة
ببلاغ إلى المدعي العام وملاحقة الشركتين قضائيا وتمت محاكمة الشركتين 1970 وصدر
الحكم ضدهما في أغطسس عام 1971
القصة الثالثة ..
تشير الدراسات التي قامت بتحليل
بقايا شعر وجمجمة الموسيقار العالمي بيتهوفن إلى أنه مات تسمما
بالرصاص
بيتهوفن في شبابه
الدراسات التي قامت بها مختبرات
قسم الطاقة في شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية أعطت مؤشرات أولية إلى أن
الأعراض المرضية التي ظهرت على الموسيقار الشهير والتي أدت إلى موته عام 1827 بعد
عذاب مرير مع المرض في عمر يناهز السادسة والخمسين كانت بسبب
الرصاص.
وما زال سبب تعرض الموسيقار للرصاص
مجهولا ، إحدى الأسباب المقترحة هي إفراطه في تعاطي الكحول والتي كان يحتسيها في
أكواب من الرصاص !! إلا أن هناك تكهنات أخرى بأنه شرب الرصاص كنوع من العلاج حيث
كان الأطباء في القرن التاسع عشر يستخدمون المعادن الثقيلة في تطبيب
الناس!!
معدن
الرصاص
إلا أن التحاليل التي أجريت لم
تثبت وجود الزئبق في بقايا بيتهوفن وهذا يقطع الشك باليقين بأنه لم يكن مصابا
بالزهري كما روجت بعض الشائعات لأنه كان العلاج السائد لهذا المرض آنذاك هو
الزئبق
بيتهوفن في سنواته
الأخيرة
أيا كانت الأسباب فإن الله وحده
أعلم بمصدر هذا الرصاص ،،، القصة في ذاتها غريبة لأنني لم أكن أعلم عنها شيئا من
قبل ليس لأنها حدثت لهذا الموسيقار ولكن لأنه استوقفني
سؤال:
كم من النفوس قضت عبر مئات السنين
نتيجة للتعرض للمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والتي تعتبر من
المواد السامة التي تفتك بالفرد وتتكالب عليه الأمراض من كل صوب وحدب ولا يدري لها
سببا ،،، فمنها ما كان يعزى للسحر والجن ومنها ما يعزى إلى اللعنات ولكن السبب
الحقيقي علمه عند الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في
السماء
وسبحان الله كم هي طاقة الإنسان
العقلية عظيمة!! بعد مئات السنين تكتشف جرائم بعد أن طوتها رحى النسيان ومات الدائن
والديّان!! إنه الفضول العلمي الجميل الذي يأخذنا إلى عالمٍ نجهله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق